مقالة بعنوان"الاساس القانوني لمسؤولية الطبيب عن عدم حصوله على رضاء المريض في العمل الطبي"
Share |
2021-11-08
مقالة بعنوان"الاساس القانوني لمسؤولية الطبيب عن عدم حصوله على رضاء المريض في العمل الطبي"

 أن من الضروري حصول الطبيب على رضاء مرضاه بالعمل الطبي المزمع تقديمه سواءً أكان العمل علاجياً أم جراحياً، فتبرز أهمية رضاء المريض في هذا المجال لما يتمتع به جسم الإنسان من حرمة ومعصومية لا تسمح بالمساس به وان كان لضرورة علاجية أو جراحية إلا بعد الحصول على رضاه الحر المستنير باستثناء بعض الحالات التي تسمح للطبيب مجاوزة رضاء المريض، إلا أن القانون العراقي وكذلك القوانين الاخرى لم تشر إشارة مباشرة إلى الأثر المترتب على قيام الطبيب بالعمل الطبي دون الحصول على رضاء المريض، كما أنها لم تبين لنا الأساس الذي تقوم عليه هذه المسؤولية، ومن اجل الإلمام بذلك سوف نتعرض في هذه الورقة البحثية الى مسألتين مهمتين هما أساس المسؤولية، وعبء إثبات الرضاء، وعلى النحو الآتي:

أولاً: أساس المسؤولية

مما لا شك فيه أن مسؤولية الطبيب تقام تجاه مرضاه عندما يتجاوز رضاهم بالتدخل الطبي أياً كان نوعه، لكن السؤال الذي يثار في هذا المجال هو:

ما أساس هذه المسؤولية؟!

كي نحدد أساس مسؤولية الطبيب عن عدم حصوله على رضاء مرضاه، لابد أن نبين فيما إذا كان التزام الطبيب بالحصول على رضاء المريض في تنفيذ العقد الطبي التزاماً بوسيلة أم التزاماً بنتيجة؟!

ابتداءً لا يمكننا القول بأن التزام الطبيب بالحصول على رضاء مرضاه هو التزام بنتيجة بشكل مطلق، أو أنه التزام بوسيلة، وذلك لتنوع الأعمال الطبية واختلاف طبيعتها، ومن اجل تحديد طبيعة التزام الطبيب بالحصول على رضاء مرضاه ونتيجة لغياب تنظيم قانوني ورأي فقهي حول هذه المسألة نجد من الضروري أن نميز بين حالتين:

الحالة الأولى:

إذا كان العمل الطبي المزمع القيام به من قبل الطبيب هو من النوع البسيط كأن يكون المريض مصاباً بمرض الأنفلونزا على سبيل المثال، فعند مراجعته للطبيب المختص وبعد ابداء رضاه في الفحص والتشخيص يكون دور الطبيب بهذه الحالة هو وصف العلاج المناسب للحالة المرضية المعروضة أمامه، إذ أن الطبيب لا يستطيع أن يقوم بالعمل الطبي (الفحص والتشخيص، وصف العلاج) مالم يحصل على رضاء المريض، لذلك لابد لنا أن نعد التزامه بالحصول على رضاء المريض في هذا الفرض التزاماً ببذل عناية، فاذا لم يبذل العناية اللازمة (عناية الشخص المعتاد) بذلك يكون قد أخطأ تجاه المريض فتنهض مسؤوليته وخطؤه هذا يعد خطأ ثابتاً إلا أنه يستطيع أن ينفي عنه المسؤولية وذلك بأن يثبت أنه قد بذل الجهد والعناية اللازمة منه أو باثباته للسبب الأجنبي أو خطأ المريض ذاته.

الحالة الثانية:

إذا كان العمل الطبي من النوع الذي ينطوي على مخاطر، أي يدخل تحت نطاق الأعمال الجراحية، فاننا نرى ضرورة عد التزام الطبيب بالحصول على رضاء المريض في هذه الأعمال التزاماً بنتيجة أي بتحقيق غاية، فاذا لم تتحقق النتيجة أي إذا لم يحصل الطبيب على رضاء المريض والذي غالباً يكون مكتوباً في هذا النوع من الأعمال الطبية، نهضت مسؤوليته نتيجة لخطئه المفترض، وهذا الخطأ لا يقبل إثبات العكس ومن ثم ليس بإمكان الطبيب أن يدرأ عنه المسؤولية إلا بالسبب الأجنبي الذي حال دون الحصول على رضاء المريض، وبهذا فان التزام الطبيب بالحصول على رضاء مرضاه يكون التزاماً بوسيلة إذا كان العمل الطبي من النوع البسيط ويكون التزاماً بنتيجة في نطاق الأعمال الطبية التي تنطوي على مخاطر كالعمل الجراحي.

ثانياً: عبء إثبات الرضاء

مما لا شك فيه أن الطبيب يلتزم بموجب العقد الطبي بالحصول على رضاء مرضاه بأي تدخل طبي يقدمه علاجياً كان أم جراحياً ومتى أخلَّ الطبيب بالتزامه هذا تقام مسؤوليته تجاه مرضاه، لكن الصعوبة تثار فيما يتعلق بأثبات الرضاء وعلى عاتق مَنْ يقع، على الطبيب؟! أم على المريض خصوصاً أن موقف الفقه والقضاء متباين في هذه المسألة، فقد ذهب جانب من الفقه العراقي والمصري والفرنسي إلى إلقاء عبء إثبات رضاء المريض على عاتق الطبيب على اعتبار أن الطبيب عندما يثبت ذلك، إنما يبرر العمل الذي قام به، فضلاً عن أن الأصل في المريض أنه إنسان حر وله حقوق مقدسة على جسمه لا يجوز المساس بها بغير رضائه فكل اعتداء على حقوق المريض من شأنه أن تقام المسؤولية على المعتدي، فيقع عبء إثبات موافقة المريض على الطبيب ودليلهم في ذلك المادة (1315) مدني فرنسي والمقابلة للمادة الأولى من قانون الإثبات المصري التي تقضي بأنه:

(على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه).

في حين ذهب جانب آخر من الفقه العراقي والمصري والأردني إلى إلقاء عبء الإثبات هذا على المريض وحده، إذ جعل عبء إثبات عدم حصول الطبيب على موافقة المريض مسألة يقع إثباتها على عاتق المريض، لأنه بمثابة الدائن فيقع عليه عبء إثبات عدم تنفيذ مدينه (الطبيب) لهذا الالتزام، فعليه أن يثبت استيفاء هذه المسؤولية لكل شروطها، لأن الأصل أن مدعي الضرر هو الذي يثبت ويقدم البينة على حصول الضرر باعتباره الدائن كما يجوز لنائب المريض أو صاحب المصلحة المشروعة أن يثبت الضرر الذي أصابه عن عدم الحصول على الرضاء، كما أن محكمة النقض الفرنسية هي الأخرى ألقت عبء إثبات عدم الحصول على الرضاء بالتدخل الطبي على عاتق المريض، إذ قضت في قرار لها صدر في 29/5/1951 جاء فيه:

(إن إثبات تقصير الطبيب بالتزامه بعدم الحصول على موافقة مريضه بالعملية مسألة تلزم الإثبات من المريض نفسه كي تقام المسؤولية على طبيبه)، كما وقضت في قرارٍ آخر لها صدر في 26/5/1999 بما يأتي:

(على المريض أن يثبت خطأ الطبيب بعدم حصوله على رضاه الحر بإخضاعه للعلاج).

هكذا نلاحظ أن بعض الفقه العراقي، والمصري، والقضاء الفرنسي قد ألقيا عبء إثبات عدم حصول الطبيب على رضاء مرضاه بالتدخل الطبي على المريض خلافاً للاتجاه السابق، والفارق بين الاتجاهين هو أن الاتجاه الأول سوغ موقفه بإلقاء عبء إثبات الحصول على رضاء المريض على الطبيب بالاستناد إلى المادة (1315) من القانون المدني الفرنسي والمادة الأولى من قانون الإثبات المصري، في حين أن الاتجاه الثاني ألقى عبء إثبات عدم الحصول على رضاء المريض على الأخير دون أن يذكر لنا تسويغاً لموقفه هذا.

ونحن أمام هذين الاتجاهين نجد صعوبة أمام تفضيل أحدهما على الآخر خاصةً وأننا ميزنا عند تحديد أساس المسؤولية بين الأحوال التي يكون فيها التزام الطبيب بالحصول على رضاء المريض التزاماً بوسيلة أو التزاماً بنتيجة، لذلك فان تحديد عبء الإثبات في هذه المسألة سيكون وفقاً للتفصيل الآتي:

في الأعمال الطبية البسيطة والتي لا تنطوي على مخاطر والتي يكون التزام الطبيب بالحصول على رضاء مرضاه التزاماً بوسيلة نرى أن المريض هو الطرف الذي يقع عليه عبء إثبات قيام الطبيب بالعمل الطبي دون الحصول على رضاه، بينما في الأعمال الطبية الجراحية التي تنطوي على مخاطر على صحة الخاضع لها فنجد من الضروري إلقاء عب الإثبات على الطبيب لأن الطبيب في هذا الفرض سيثبت واقعة ايجابية ليسوغ لنا العمل الذي قام به خاصةً وأن مسألة الحصول على رضاء المرضى هي مسألة الزام والتزام في الوقت نفسه فهي من المسائل التي نص عليها القانون فضلاً عن انها إحدى الالتزامات التي يفرضها العقد الطبي ذاته والإثبات هنا غالباً ما يكون بالدليل الكتابي لأن المريض يوقع على استمارة الموافقة على العملية، أما في الفروض التي يحصل فيها الطبيب على الرضاء الشفوي للمريض، فالإثبات قد يكون بشهادة الشهود أو بالقرائن التي يستمد منها أن المريض قد اتجهت إرادته ضمناً بالموافقة على التدخل الطبي وما ينتج عنه من مخاطر، ومن القرائن التي يعتد بها القاضي هي مكانة الطبيب والتزامه بآداب المهنة وما عرف عنه من ضرورة الحصول على موافقة المريض مسبقاً على العلاج، أما في الحالات التي يعفى فيها الطبيب من الحصول على رضاء المريض فهو يعفى من الإثبات فيها أيضاً.

 

م.م محمد ابراهيم عبدالله 

قسم شؤون الاقسام الداخلية

 

 
عدد المشاهدات : 1545